رغد الغصين.. النزوح الطويل لا يمنعُ أمل الشباب
رُغم الظروف والمعاناة التي لا نهاية لها بقطاع غزة، سنسعى في دروب العزمِ حتى ننال بغاية المسعى مناناً، وتسطع شمسنا من بعد ليلٍ، يكادُ ظلامه يحجب رؤيانا.
كطالبة لا زلت أُكمل مسيرتي التعليمية في مجال الإعلام، أبلغ 21 عامًا.. أحاولُ فيها تحقيقَ أحلامي وأهدافي، التي أسعى متلهفةً لرؤيتها، بعد تعبٍ طويل من الجد والاجتهاد، ومن مواصلةٍ وتعثّر، جاءت الحرب لتسلب كل ما مضيّنا من أجله، في وقتٍ قصير من الزمن.
لكنني كرغد الغصين، أؤمن أنه لا زال هناك أمل أن نستمر. لذلك تمسّكت بشعار “معًا نحو الأمل“، الذي كان اسمًا للشبكة التي قرّرت عمل جُهدي للانضمام إليها، وهي شبكة مكوّنة من 20 شاباً وشابة من محافظات قطاع غزة، في الشمال والجنوب على السواء.
خضتُ المقابلة، وبعد مقابلات تنافسية بين الشباب لاختيار الأكثر دافعية في العطاء والعمل انضممتُ إليها. هذه الشبكة تأتي ضمن مشروع يهدف لتعزيز فرص التعليم والرفاهية للأطفال واليافعين، والذي ينفذه المنتدى الاجتماعي التنموي SDF، بالشراكة مع اللجنة الاستشارية الشبابية (YAP)، وبتمويل من اليونيسيف.
يرتكز المشروع على تمكين قدرات ومهارات الشباب وتوسيع نطاق المعرفة بمجالاتٍ أُخرى خلال حالات الطوارئ، مثل تنفيذ المبادرات المجتمعية التي تُعالج بعض المشاكل خاصةً التعليم الذي حاول الاحتلال طمسه، وعمل ورشاتٍ توعويّة لتثقيف الأقران حول بعض القضايا، بهدف زيادة الثقافة والوعي بشكلٍ أكبر.
بدأ التحدي مع بداية اليوم التدريبي الأول، مُحَاوِلة البحث عن مركبة أو عربة تجرها دابة، لتلقي التدريب المليئ بمعلومات حول المبادرات ومفهومها وكيفية صياغتها وتنفيذها على أرض الواقع، وإِنجاحها بأسهل الطرق!
رحلة النزوح والمعاناة اليومية لا زالت مستمرة بل تزداد سوءً يوماً بعد يوم، لكنني تمكنت مع زملائي الأعضاء في الشبكة من إتمام باقي أيام التدريب المكثف، الذي حصلنا عليه وتركّز حول مبادئ العمل الإنساني، وكيفية التعامل مع الأطفال والطلائع في الأزمات، إضافةً الى معايير القيادة المجتمعية وصفات القائد الناجح الذي يستطيع التغلب على الصِعاب ويجيد عمل خطط استجابة لحالات الطوارئ بشكلٍ فوري.
جاء التدريب الذي اندمجنا فيه بشكلٍ كبير، وعشنا في مظّلته أيامًا لطيفة، تحت إشراف مُدرب كفؤ استطاع نقل الخبرة من خلال أنشطة وألعاب ترفيهية لا منهجية. كانَ الهدف إيصال الرسالة للمتدربين بما يتناسب مع الوضع الحالي، ومن ثَم بثها للأطفال واليافعين داخل مراكز الإيواء، بأساليب وطرق جذابة غير تقليدية دون كلل أو ملل.
كانت تجربة ممزوجة بين المتعة والخوف، مما يجري من أحداث أمنية وأوضاعٍ غير مُستقرة، خاصة أنَّ عملية التنقل من مكانٍ لآخر ليس بالأمر الهيّن، سواء الوصول لمساحة التدريب، أو تنفيذ الأنشطة بمخيمات النزوح.
في كُلّ يومٍ كُنا ننضمُ فيه إلى التدريب مع باقي أعضاء الشبكة، كُنا نشعُر بالأمل، بالفخر، و الانتصار، لأننا اليوم لازلنا أحياءً نُرزق، نعيش ونتنفس كي نحظى بالأمل من جديد، ونعمل ليومٍ آخر، نرى أصدقاءنا ومُدربينا وفريق المُنتدى الذي أعطانا فُرصةً لهذه التجربة.
بلا شكّ كُنا نخاف ونقلق، على كُل الزملاء الذين ينطلقون كُلّ يوم بين طرق المواصلات المختلفة. البعض على عربة تجرها حيوان، البعض الآخر على سيارة مهترئة، في حقيبتها أو في الكُرسي الأمامي جانب السائق، أو على “توكتوك”.
وهُنا تكمن الحكاية، أيقنت أن أعظم إنجاز وشعور للمرء هو القدرة على السعي والمواصلة بنفس الشغف، رُغُم ما جرى ويجري من ويلات دون استسلام ، فَمِنْ رحم الألم يُولد الأمَل.